الشباب العربي بين الطموح والواقع – لماذا تتعثر مسيرة الشباب المهنية في العالم العربي؟

في العالم العربي يعيش ملايين الشباب بين حلم النجاح وواقع معقد مليء بالعقبات. رغم أن أغلب الدول العربية تمتلك طاقات بشرية شابة تشكل أكثر من نصف السكان، فإن مسارهم المهني غالباً ما يتعطل قبل أن يبدأ. فالمشكلة ليست في قلة الطموح، بل في منظومة تضعف قدراتهم وتكبح فرصهم.

تنبأ بالمستقبل من خلال أفعالك

صلاح عبد الدايم - Salah Abdeldayem

10/31/2025

الشباب العربي بين الطموح والواقع – لماذا تتعثر مسيرة الشباب المهنية في العالم العربي؟
الشباب العربي بين الطموح والواقع – لماذا تتعثر مسيرة الشباب المهنية في العالم العربي؟

في العالم العربي يعيش ملايين الشباب بين حلم النجاح وواقع معقد مليء بالعقبات. رغم أن أغلب الدول العربية تمتلك طاقات بشرية شابة تشكل أكثر من نصف السكان، فإن مسارهم المهني غالباً ما يتعطل قبل أن يبدأ. فالمشكلة ليست في قلة الطموح، بل في منظومة تضعف قدراتهم وتكبح فرصهم.

1. أزمة هوية واتجاه: شباب بلا بوصلة

الكثير من الشباب العربي يعيش في حالة ضياع مهني. فالنظام التعليمي لا يساعدهم على اكتشاف ميولهم أو نقاط قوتهم، وغالباً ما يُفرض عليهم تخصص أو مسار لا يعكس رغباتهم الحقيقية. النتيجة: خريجون بلا شغف، يعملون في وظائف لا تمثلهم، ويشعرون بأنهم فقدوا الاتجاه قبل أن يبدأوا.

الإرشاد المهني شبه غائب، والاختيار يعتمد على رأي الأسرة أو على ما يبدو “آمنًا”، لا على الموهبة أو الشغف. ومع غياب الوعي الذاتي، يصبح القرار المهني قراراً عشوائياً لا استراتيجياً.

2. فجوة التعليم وسوق العمل

المدارس والجامعات في معظم الدول العربية ما زالت تركز على الحفظ والتلقين، بينما سوق العمل يحتاج إلى الإبداع، التحليل، والمهارات التقنية الحديثة. هذه الفجوة تجعل الشباب غير مؤهلين لمتطلبات الواقع الاقتصادي.
نسبة البطالة بين الشباب في العالم العربي هي الأعلى عالمياً، ليس بسبب نقص الوظائف فقط، بل بسبب عدم التوافق بين التعليم والمهارات المطلوبة. الشركات تبحث عن مبادرة ومرونة، بينما النظام التعليمي ينتج طاعة وخوفاً من الخطأ.

3. الضغط الاجتماعي والخوف من الفشل

الأسرة والمجتمع في العالم العربي يمارسان ضغطاً كبيراً على الشباب في قراراتهم المهنية. التوقعات العالية، المقارنة المستمرة، والخوف من الفشل يخلقون بيئة نفسية خانقة.
الكثير من الشباب يختارون “الطريق المضمون” بدل الطريق الذي يناسبهم. هذا يؤدي إلى بطالة مقنّعة، ملل وظيفي، وهروب من المخاطرة. في ثقافة تجرّم الخطأ، يختفي الإبداع.

4. غياب العدالة في الفرص

في معظم الدول العربية، لا يعتمد النجاح المهني فقط على الكفاءة، بل على العلاقات الشخصية والوساطات. هذه الحقيقة تضعف الإيمان بالجهد الفردي وتخلق شعوراً بالظلم والإحباط.
الموهوبون من الطبقات الفقيرة أو المناطق المهمّشة يواجهون صعوبة في الوصول إلى فرص عادلة. في المقابل، من يمتلك نفوذاً أو علاقات يتقدّم بسهولة. هكذا يفقد الشباب الثقة في جدوى العمل الجاد، ويتحوّل الإبداع إلى استسلام.

5. هجرة العقول: النجاح خارج الحدود

عندما تُغلق الأبواب في وجه الكفاءات، يهاجر الشباب بحثاً عن فرص تحقق قيمتهم. العالم العربي يخسر سنوياً آلاف العقول الشابة المتعلمة، لأن بيئة العمل الداخلية لا تقدّرهم ولا تتيح لهم النمو.
هذه الهجرة ليست فقط نزيفاً اقتصادياً، بل أيضاً هزيمة ثقافية: حين يشعر الجيل الجديد أن مستقبله في الخارج لا في وطنه.

6. التحديات النفسية والبطالة المقنّعة

الاكتئاب، الإحباط، وانخفاض تقدير الذات أصبحت ظواهر متزايدة بين الشباب العربي. يعيش الكثيرون في فراغ نفسي بين طموحات كبيرة وواقع مغلق. غياب الدعم النفسي والضغط الاقتصادي يدفع البعض إلى العزلة أو اللامبالاة.
إن فقدان المعنى في العمل والحياة هو أحد أخطر ما يهدد هذه الفئة، لأنه يحول الطاقة إلى خمول، والقدرة إلى يأس.

7. غياب القدوة والبرامج التوجيهية

الجيل الشاب في الدول العربية نادراً ما يجد قدوة حقيقية أو نموذجاً ملهماً من داخل بيئته. الإعلام يروّج للنجاح السريع والمظاهر، لا للرحلة الواقعية المبنية على التطوير والتجربة.
غياب الإرشاد المهني والبرامج الممنهجة يجعل الكثيرين يتعلمون عبر الخطأ والتجربة المؤلمة، بدلاً من أن يجدوا من يوجّههم مبكراً نحو الطريق الصحيح.

دور الكوتشنغ (Coaching) والمِنتورينغ (Mentoring):

المفتاح المفقود لتفعيل طاقة الشباب العربي

في ظل هذه التحديات، يصبح التدريب الشخصي والإرشاد المهني ليس رفاهية، بل ضرورة. فالكوتشنغ يساعد الشباب على فهم أنفسهم، واكتشاف نقاط قوتهم وضعفهم، وتحديد أهداف واضحة واقعية.
المدرب المهني لا يعطي حلولاً جاهزة، بل يبني مع الشاب طريقة تفكير تساعده على اتخاذ قرارات متزنة، إدارة التوتر، وتحويل الخوف إلى دافع.

أما المِنتورينغ، فيقدّم الخبرة والخط العملي. المِنتور هو خبير أو قائد سابق ينقل خبرته ويشارك تجاربه، ليختصر الطريق على الشاب. وجود شخص يؤمن بك، يفتح لك شبكة علاقات، ويمنحك رؤية واقعية للسوق، يمكن أن يغير مصيرك المهني كلياً.

لماذا الكوتشنغ والمِنتورينغ استثمار حقيقي لا تكلفة

البرامج التدريبية الجادة ليست إنفاقاً، بل استثماراً في الإنسان.
الدول التي تبنّت ثقافة الإرشاد المهني خفّضت معدلات البطالة وزادت من إنتاجية الشباب. الشركات التي تطبّق برامج كوتشنغ داخل بيئتها، تحصد التزاماً أعلى وابتكاراً أكبر من موظفيها الشباب.
وعلى مستوى الفرد، يُكسب الكوتشنغ الشاب مهارات حياتية دائمة: إدارة الذات، المرونة، الذكاء العاطفي، واتخاذ القرار بثقة.

رؤية مستقبلية: من التعليم إلى التوجيه

العالم العربي بحاجة إلى تحول جذري في مفهوم التعليم: من نقل المعلومات إلى بناء الإنسان. المدارس والجامعات مطالَبة بإدخال برامج توجيه مهني مبكر، وتدريب معلمين على أساليب الكوتشنغ التربوي.
كذلك، على مؤسسات القطاعين العام والخاص إنشاء برامج مِنتورينغ داخلية تربط الشباب بالخبرات الأقدم. لأن بناء جيل واثق لا يتم بالخطابات، بل بالاحتكاك والنمذجة الواقعية.

بناء الإنسان قبل بناء الاقتصاد

الشباب العربي لا يفتقر إلى الطموح، بل إلى من يرافقه بصدق في رحلة تحقيقه. الكوتشنغ والمِنتورينغ هما الأداتان القادرتان على تحويل الطاقات إلى إنجازات، والإحباط إلى رؤية.
إنها استثمار في الإنسان قبل المؤسسة، في المستقبل قبل الحاضر.
وعندما تتبنى الدول العربية ثقافة التوجيه والدعم النفسي والمهني، ستكتشف أن أهم ثرواتها لم تكن في النفط أو المال، بل في عقول شبابها.

كيف يمكن تنفيذ برامج كوتشنغ ومِنتورينغ فعّالة في العالم العربي

لكي تتحول فكرة الكوتشنغ والمِنتورينغ إلى واقع مؤثر، لا بد من تطبيقها وفق نموذج عملي من ثلاث مراحل متكاملة:

1. مرحلة التأسيس – بناء المنظومة

تحديد الفئة المستهدفة: طلاب المدارس الثانوية، طلاب الجامعات، أو الموظفون الجدد في المؤسسات.

اختيار المدربين والمِنتورز: يفضل أن يكونوا من خلفيات متنوعة (أكاديمية، مهنية، ريادية) ولديهم تدريب معتمد في مهارات الكوتشنغ والتوجيه.

تصميم البرنامج: وضع أهداف واضحة (مثل تطوير المهارات الشخصية، تعزيز الثقة، بناء خطة مهنية) مع خطة زمنية محددة من 3 إلى 6 أشهر.

2. مرحلة التنفيذ – التفاعل والتعلّم العملي

جلسات كوتشنغ فردية: تُجرى مرة كل أسبوعين، تركز على تحديد الأهداف، إدارة التحديات الشخصية، وبناء التفكير الإيجابي.

لقاءات مِنتورينغ جماعية: يجتمع الشباب مع المِنتور لمناقشة خبرات واقعية من سوق العمل وتبادل التجارب.

ورش تطوير مهارات: مواضيع مثل الذكاء العاطفي، التواصل، اتخاذ القرار، والتفكير النقدي.

متابعة تقييمية: في منتصف البرنامج ونهايته لقياس التقدّم الفعلي في الوعي الذاتي والمهني.

3. مرحلة الاستدامة – بناء ثقافة مستمرة

تأسيس شبكات خريجين: من شارك في البرامج يصبح لاحقاً مِنتوراً لغيره، مما يخلق سلسلة دعم ذاتية النمو.

دمج الفكرة في المؤسسات التعليمية والشركات: لتصبح جزءاً من استراتيجية التطوير البشري لا مجرد نشاط جانبي.

قياس الأثر: عبر استبيانات ومقاييس أداء (مثل انخفاض البطالة، تحسن الرضا الوظيفي، وزيادة المبادرات الفردية).

الاستثمار في الكوتشنغ والمِنتورينغ ليس مجرد برنامج تدريبي، بل مشروع وطني لتأهيل جيل واثق وقادر على قيادة المستقبل.
حين يجد الشاب العربي من يرشده بوعي ويؤمن بقدراته، تتغير المعادلة من “نبحث عن وظائف” إلى “نخلق فرصاً جديدة”.

مقترح رسمي

مبادرة “نوجّه لنبني المستقبل”
برنامج وطني للكوتشنغ والمِنتورينغ من أجل تمكين الشباب العربي
مبادرة “نوجّه لنبني المستقبل” – برنامج وطني للكوتشنغ والمِنتورينغ من أجل تمكين الشباب العربي
مبادرة “نوجّه لنبني المستقبل” – برنامج وطني للكوتشنغ والمِنتورينغ من أجل تمكين الشباب العربي

الشباب العربي يمثل اليوم أكثر من 60٪ من سكان المنطقة، لكنه يواجه في المقابل أعلى معدلات البطالة وضعفاً في الإرشاد المهني والدعم النفسي. يعيش ملايين الشباب في دوامة من التحديات: تعليم لا يعكس احتياجات سوق العمل، ضغط اجتماعي يقيّد حرية الاختيار، وفرص محدودة للتعبير عن القدرات والمواهب. ومع أن المنطقة العربية غنية بالثروات والطاقات، إلا أن الثروة الحقيقية – وهي الإنسان – ما زالت غير مستثمرة بالشكل الصحيح. من هنا تأتي فكرة مبادرة “نوجّه لنبني المستقبل”، وهي مشروع عملي شامل يهدف إلى تأسيس منظومة عربية للكوتشنغ والمِنتورينغ، لتصبح عملية التوجيه الذاتي والمهني جزءاً أساسياً من بناء الإنسان قبل أي وظيفة أو شهادة.

الهدف من هذه المبادرة هو تحويل الشباب من حالة التشتت والانتظار إلى حالة الوعي والفعل. فهي تسعى إلى تمكينهم من فهم ذواتهم، اكتشاف نقاط قوتهم، وبناء مسارات مهنية حقيقية تعكس قدراتهم وطموحاتهم. البرنامج لا يقدّم دروساً نظرية، بل يفتح مساحة حوار وتفكير وتخطيط ذاتي من خلال جلسات كوتشنغ فردية، ولقاءات مِنتورينغ مع خبراء ورواد من مختلف القطاعات، وورش تطوير مهارات حياتية تعزّز الثقة، القيادة، والقدرة على اتخاذ القرار.

تحويل الشباب من حالة التشتت والانتظار إلى حالة الوعي والفعل
تحويل الشباب من حالة التشتت والانتظار إلى حالة الوعي والفعل

يعتمد المشروع على ثلاث مراحل أساسية: مرحلة التأسيس، مرحلة التنفيذ، ومرحلة الاستدامة. في مرحلة التأسيس يتم إعداد الكوادر، تدريب المدربين والمِنتورز، ووضع دليل موحّد للجلسات والأهداف. في مرحلة التنفيذ تُعقد جلسات أسبوعية فردية وجماعية، حيث يعمل المدرب مع كل مشارك على تحديد رؤيته الشخصية والمهنية، ومعالجة نقاط الضعف النفسية أو المهارية التي تعوقه. بالتوازي، تُعقد لقاءات مِنتورينغ شهرية تجمع الشباب بخبراء في مجالات متنوعة لينقلوا لهم الخبرة الواقعية ويزوّدوهم بأدوات عملية للانطلاق في مسيرتهم المهنية. وأما مرحلة الاستدامة فتهدف إلى تحويل التجربة إلى ثقافة دائمة من خلال إنشاء شبكة خريجين يصبحون لاحقاً مِنتورز لأجيال جديدة، مما يخلق سلسلة دعم متبادلة ومستدامة.

هذا المشروع ليس ترفاً فكرياً، بل استثمار وطني طويل الأمد. فكل دراسة في مجال التنمية البشرية تؤكد أن الاستثمار في الكوتشنغ يقلّل من نسب البطالة، يرفع إنتاجية المؤسسات، ويزيد التزام الموظفين الشباب. الكوتشنغ يزرع مهارات التفكير الذاتي والمرونة العاطفية، بينما المِنتورينغ يقدّم البوصلة العملية المبنية على الخبرة والعلاقات. الجمع بين الاثنين يخلق جيلاً لا يبحث فقط عن وظيفة، بل يصنع مساره بثقة ووضوح.

المبادرة موجهة إلى الوزارات والجامعات والمدارس والشركات الرائدة في الوطن العربي. وهي تدعو إلى الشراكة لا التبرع، إلى المشاركة لا المشاهدة. فالتنمية الحقيقية لا تقوم على جهة واحدة، بل على تعاون واعٍ بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني. يمكن تنفيذ البرنامج في كل دولة عربية بنموذج يتناسب مع سياقها، مع الاحتفاظ بالجوهر: بناء الإنسان من الداخل قبل الخارج.

تتضمن الفوائد المباشرة للمؤسسات المشاركة تحسين صورتها الاجتماعية، والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، واكتشاف كوادر شابة مؤهلة وقادرة على القيادة. أما على المستوى الوطني، فسيساهم البرنامج في تقليل الفجوة بين التعليم وسوق العمل، ويمنح الشباب أدوات حقيقية للاندماج والإنتاج والإبداع.

إننا نوجّه هذا المقترح إلى كل مسؤول وصاحب قرار، إلى كل جامعة ومدرسة، إلى كل قائد أو مدرب أو خبير يملك الرغبة في التغيير. نطلب منكم شيئاً بسيطاً لكنه جوهري: انشروا هذه المبادرة، شاركوها مع من يستطيع تحويلها إلى واقع. فربما تصل هذه الفكرة اليوم إلى شخص واحد، لكنها غداً قد تغيّر حياة الآلاف.

إن مستقبل العالم العربي لن يُبنى بالصدفة، بل بالتوجيه الواعي، وبالاستثمار في الإنسان القادر على أن يقود نفسه قبل أن يقود الآخرين. الكوتشنغ والمِنتورينغ هما الأداتان اللتان يمكن أن تنقلا شبابنا من مرحلة الانتظار إلى مرحلة الفعل، ومن حالة الإحباط إلى الإبداع. فلنبدأ معاً ببناء ثقافة عربية جديدة تقول للشباب: “أنت لست وحدك… هناك من يؤمن بك، يرافقك، ويمنحك الأدوات لتصنع مستقبلك بنفسك.”

من يستطيع أن يساهم، فليتواصل، ومن لا يستطيع، فليشارك هذا النص مع من يمكنه المساهمة. فربما تكون هذه المشاركة البسيطة هي الشرارة التي تُشعل مشروعاً عربياً يغيّر مصير جيل كامل.